تدوينات / بقلم ابراهيم ولد اعل

بواسطة lminassa

 

بين نصوص العدل وصوت الضمير

حين تتقاطع السياسة بالقانون، وتتشابك المواقف بالتأويلات، لا بد من العودة إلى مرجعية ثابتة، لا تهتز بالعواصف ولا تضل بوصلتها: الحق، ثم القانون، ثم استقلال القضاء.

في خضم الجدل الدائر حول إجراءات رفع الحصانة البرلمانية عن النائب مريم و قامو، وما أثارته القضية من ردود وتفاعلات، جاء تصريح وزير العدل بليغاً في وضوحه، صريحاً في نبرته؛ إذ أكد أن سلطات إنفاذ القانون لا تفعل سوى ما تُمليه عليها النصوص، دون انتقائية أو تدخل، ولا تُمارس مهامها إلا في حدود ما رسمه لها الدستور والقانون.

هذا التوضيح، في لحظة حساسة، لا يُقرأ فقط كتصريح إداري، بل كموقف مؤسسي يُعيد التوازن إلى النقاش، ويرفع منسوب الثقة في المسار القضائي، ويُذكّر بأن الدولة العادلة لا تُدين بالصوت، بل تُحاكم بالحجة، ولا تساوي بين النقد والاتهام، بل تزن كل شيء بميزان القانون.

ولا شك أن استقلال القضاء ليس شعاراً يُرفع، بل ممارسة تتجلى حين يخضع الجميع، مهما علا شأنهم، لحكم القانون في إطار من المحاكمة العادلة والضمانات الدستورية. فالحصانة لا تعني الحصانة من المساءلة، ورفعها لا يعني الإدانة، بل هو إجراء إجرائي يُتيح للعدالة أن تقول كلمتها، لا أكثر.

ومع ذلك، لا يمكن إغفال أن هذا النوع من القضايا، وما يصاحبه من توتر في الرأي العام، يكشف في جانب منه عن حيوية المشهد، واتساع هامش حرية التعبير. فحين تعلو الأصوات، وتُطرح الأسئلة، وتتعدد القراءات، فذاك في جوهره مشهد صحي، يُجسد تنوع الآراء وحرية النقد. لكن كل حرية، مهما اتسعت، تحتاج إلى ضابط أخلاقي، يُميز بين النضال الانعتاقي المسؤول، الذي يُصارع من داخل المؤسسات، وبين الخطاب العاطفي أو المتسرع الذي قد يسقط، بحسن نية أحياناً، في محاذير التشكيك أو الإضرار بصورة العدالة.

إننا اليوم أمام اختبار حقيقي: هل ننتصر لروح القانون أم لعواطفنا؟ هل نحترم استقلال القضاء حين تُصدر أحكامه، أم فقط حين توافق أهواءنا؟ لأن الحق لا يُولد في عاصفة الصخب، بل في لحظة صمت يتكلم فيها الضمير وتنطق فيها النصوص.
ابراهيم ولد اعل