- المشاركة السياسية للشباب والمرأة الموريتانية بين التبعية والفاعلية

بواسطة lminassa

 

- تُعد مشاركة الشباب في الحياة السياسية من المؤشرات بالغة الأهمية في دينامية التحول الديمقراطي في المجتمعات ما يعبر عن قابلية تفعيل الأنظمة السياسية للمساهمة في التنمية السياسية والاجتماعية..، ذلك أن الفئات الشبابية تشكل غالبية السكان، ما يعطي بعدا ذات أهمية بالغة لمعالجة الاختلالات التي تعيق هذا المسار الديمقراطي. 
- إنّ تحليل واقع ومشاركة الشباب والمرأة في العملية السياسية يتطلب فهمًا معمقًا لديناميكيات العلاقة بين هذه الفئة الحيوية والطبقة السياسية التقليدية، وهنا يمكن أن نطرح تساؤلين في تصوري يحملان دلالات عميقة في فهم هذه الدينامية: هل يميل الشباب بعمومية المفهوم إلى المشاركة السياسية!؟ وهل يمتلكون القدرة السياسية على لانتقال من التبعية إلى الفاعلية؟

- يُشير التاريخ السياسي الحديث في موريتانيا إلى أن الشباب غالبًا ما كانوا وقودًا للحركات التغييرية، سواء كانت سياسية أو اجتماعية. إلا أن السؤال الأهم يكمن فيما إذا كانت هذه المشاركة تنبع من قناعة ذاتية وفعل مستقل، أم أنها في كثير من الأحيان تتأطر ضمن أطر وخطابات تضعها النخب السياسية القائمة.

- مفهوم الشباب والمرأة:

- يمثل الشباب مرحلة عمرية حيوية وانتقالية بين الطفولة والرشد، تتميز بالنضوج وتكوين الهوية الشخصية والمواقف تجاه الحياة، متأثرين بالسياقات الاجتماعية والثقافية. هي فترة خصبة للتغيير والتعاون مع المستجدات، حيث يمتلكون طاقات كبيرة ورغبة في تأكيد الذات والبحث عن دور اجتماعي فاعل. يساهم الشباب بفعالية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ويسعون لاكتساب المؤهلات والخبرات التي تمكنهم من تحمل مسؤولية المساهمة والارتقاء بالمجتمع.

- أما المرأة، فتمثل نصف المجتمع ودعامته الأساسية، وتلعب دورًا حيويًا في جميع جوانب الحياة. على الرغم من التحديات الاجتماعية والثقافية التي قد تواجهها، تسعى المرأة جاهدة لتأكيد وجودها ومشاركتها الفاعلة في بناء المجتمع. تمتلك النساء خبرات وقدرات فريدة تساهم في التنمية المستدامة، ويسعين باستمرار لتعزيز مكانتهن واكتساب المهارات اللازمة للمساهمة بفعالية في صنع القرار على جميع المستويات، بما في ذلك المجال السياسي.

- -مفهوم المشاركة السياسية:

- تشير المشاركة السياسية إلى مجموعة الأنشطة الإرادية التي يقوم بها المواطنون، سواء كانوا شبابًا أو نساءً، بهدف التأثير في عملية صنع القرار الحكومي، وفي اختيار الحكام، أو في صياغة السياسات العامة للمجتمع. تتنوع أشكال المشاركة السياسية لتشمل العديد من الأنشطة مثل:

- -التصويت في الانتخابات: وهو الشكل الأكثر شيوعًا للمشاركة.
- -المشاركة في الحملات الانتخابية: من خلال الدعم المادي أو المعنوي.
- -الانضمام إلى الأحزاب السياسية والجمعيات: والمشاركة في أنشطتها.
- -الاتصال بالمسؤولين وكتابة الرسائل أو تقديم الالتماسات: للتعبير عن الآراء والمطالب.
- -الاحتجاجات والمظاهرات السلمية: كوسيلة للتعبير عن الرأي والمطالبة بالتغيير.
- -الاهتمام بالشأن العام ومتابعته: من خلال وسائل الإعلام والمناقشات.

- تُعد المشاركة السياسية مؤشرًا هامًا للديمقراطية، وتساهم في التعبير عن سيادة الشعب، بما في ذلك أصوات الشباب والنساء.

- -مفهوم المشاركة السياسية الفاعلة:

- تُعرف المشاركة السياسية الفاعلة بأنها أبعد من مجرد القيام بالأنشطة السياسية، فهي تعني المساهمة الإيجابية والمؤثرة للمواطنين، بمن فيهم الشباب والنساء، في الحياة السياسية، بحيث يكون لديهم الفرصة لصياغة شكل الحكم، والمساهمة بفعالية في تقرير مصير دولتهم، والتأثير في القرارات والقوانين والسياسات التي تتخذ استجابة لاحتياجاتهم.

- تتميز المشاركة السياسية الفاعلة بـ:

- -الوعي: فهم عميق لكيفية عمل النظام السياسي، وآليات صنع القرار، وجذور المشاكل الاجتماعية، وإدراك خاص لتحديات واحتياجات الشباب والنساء.
- -الإرادة والمسؤولية: قيام المواطنين (الشباب والنساء) بعملية المشاركة طواعية واختيارًا منهم، وتقديرهم للمسؤولية التي يجب أن يتحملوها تجاه قضايا مجتمعهم.
- -التأثير: أن يكون للنشاط السياسي للمواطنين (الشباب والنساء) أثر حقيقي وملموس في السياسات والقرارات.
- -الاستمرارية: لا تقتصر على حدث معين كالتصويت، بل هي عملية مستمرة من الاهتمام والمتابعة والعمل.

- المشاركة السياسية الفاعلة هي حجر الزاوية في بناء الأنظمة الديمقراطية القوية، حيث تضمن أن تكون القرارات والسياسات العامة معبرة عن إرادة واحتياجات الشعب بكل فئاته، خاصة الشباب والنساء، لضمان تمثيل شامل ومتوازن.

- ثنائية التبعية والتقييد:

- لا يمكن إنكار وجود عوامل تدفع الشباب وبصورة خاصة المرأة الموريتانية نحو شكل من أشكال التبعية السياسية. ففي بيئة تتسم بضعف مؤسسات المجتمع المدني المستقلة وغياب قنوات تعبيرية فاعلة خارج الأطر التقليدية للأحزاب السياسية، قد يجد الشباب بعمومية المفهوم أنفسهم مضطرين للانخراط في هياكل قائمة لا تتيح لهم مساحة كافية للإبداع أو الفعل المستقل.

- -هيمنة الخطاب التقليدي: لا تزال الساحة السياسية الموريتانية تشهد هيمنة للخطابات التقليدية التي تعتمد على الولاءات القبلية أو الجهوية أو العائلية. هذا قد يدفع الشباب، خاصة في المناطق الريفية، إلى التماهي مع هذه الولاءات والانخراط في جماعات سياسية بناءً على الروابط التقليدية لا القناعات السياسية المستقلة.

-  -ضعف التمكين الاقتصادي: البطالة والفقر يمثلان تحديين كبيرين أمام هذا الثنائي الشبابي الرجال والنساء. هذا الوضع الاقتصادي الهش قد يجعل بعض الشباب عرضة للإغراءات المادية أو الوعود بالوظائف، مما يحول مشاركتهم السياسية إلى مجرد وسيلة لتحقيق مصالح شخصية ضيقة، بدلاً من أن تكون فعلاً سياسيًا بناءً وهادفًا.

-  -غياب الأطر المؤسسية لتمكين الشباب والنساء: على الرغم من وجود بعض المبادرات، إلا أن الأطر المؤسسية الفعالة التي تدعم وتؤهل هذه الثنائية الفاعلة للمشاركة السياسية المستقلة لا تزال محدودة. فالأحزاب السياسية، في معظمها، لا تزال تفتقر إلى آليات واضحة لدمج الشباب في هياكلها القيادية، وغالبًا ما تحتفظ بفرص الترشح والمناصب العليا للنخب القديمة.

-  -الإحباط وانعدام الثقة: قد يؤدي الشعور بالإقصاء والتهميش إلى حالة من الإحباط لدى الشباب والنساء، مما يدفعهم إلى العزوف عن المشاركة السياسية برمتها، أو إلى تبني موقف سلبي تجاه العملية السياسية برمتها، مما يعزز من تبعيتهم للواقع الراهن.

- مؤشرات على الفاعلية والإمكانات الكامنة:

- على الرغم من التحديات، تظهر مؤشرات واضحة على أن الشباب بعمومية المفهوم يمتلك طاقات كبيرة للفاعلية والتأثير المستقل في العملية السياسية.

- -ثورة المعلومات والتواصل الاجتماعي: أتاحت وسائل التواصل الاجتماعي للشباب منصات غير مسبوقة للتعبير عن آرائهم، تنظيم حملات توعية، ومناقشة القضايا السياسية بعيدًا عن رقابة السلطات أو الأحزاب التقليدية. لقد أصبح الفيسبوك والتيكتوك وغيرهما مساحات حيوية للشباب الموريتاني للتعبير عن مطالبهم وتنظيم احتجاجاتهم السلمية، مما يدل على قدرة عالية على الفعل الذاتي.

- -بروز قيادات شبابية مستقلة: بدأت تبرز في السنوات الأخيرة بعض الشخصيات الشبابية التي تتمتع بشعبية واسعة وتطرح خطابًا سياسيًا مختلفًا ومستقلاً، وتنجح في حشد التأييد بعيدًا عن الولاءات التقليدية. هؤلاء الشباب يمثلون نموذجًا للفاعلية السياسية، ويسعون لإحداث تغيير حقيقي من خلال العمل الميداني أو النضال الحقوقي.

-  -الحراك المدني والتطوعي: يشارك العديد من الشباب الموريتاني في مبادرات مجتمع مدني غير سياسية بشكل مباشر، ولكنها تساهم في بناء الوعي العام وتنمية روح المسؤولية الاجتماعية. هذه المبادرات، وإن لم تكن سياسية بحتة، إلا أنها تعزز من قدرة الشباب على التنظيم والعمل الجماعي، وهي مهارات يمكن توظيفها لاحقًا في العمل السياسي الفاعل.

- -الوعي المتزايد بالحقوق: يظهر لدى شريحة متنامية من الشباب الموريتاني وعي متزايد بحقوقهم المدنية والسياسية. هذا الوعي يدفعهم للمطالبة بالإصلاحات، ومحاسبة المسؤولين، والمشاركة في صياغة القوانين والسياسات التي تؤثر على حياتهم.

- -نحو مشاركة شبابية فاعلة:

- للتحول من التبعية إلى الفاعلية، تتطلب المشاركة السياسية للشباب الموريتاني مقاربة متعددة الأوجه:

- -تعزيز التثقيف السياسي والمدني: يجب أن يتجاوز التعليم المدرسي التلقين ليشمل تعزيز التفكير النقدي، والوعي بالحقوق والواجبات، وتشجيع الشباب على الانخراط في النقاش العام.

- -دعم الأحزاب السياسية لإصلاح هياكلها: يتوجب على الأحزاب السياسية فتح أبوابها للشباب، ومنحهم فرصًا حقيقية للقيادة والترشح، وتوفير برامج تدريب وتأهيل لتمكينهم.

- -تمكين المجتمع المدني: يجب دعم المنظمات الشبابية المستقلة، وتوفير الموارد اللازمة لها للقيام بدورها في التوعية، التنظيم، والدفاع عن قضايا الشباب.

- -معالجة التحديات الاقتصادية: تحسين فرص التعليم والتدريب المهني، وتوفير فرص العمل اللائق، ودعم ريادة الأعمال الشبابية، هي عوامل أساسية لتحرير الشباب من التبعية الاقتصادية التي قد تعيق مشاركتهم السياسية المستقلة.

-  -فتح قنوات حوار بين الشباب والسلطة: إنشاء منصات للحوار المفتوح بين الشباب وصناع القرار، والاستماع إلى آرائهم، وأخذها بعين الاعتبار عند صياغة السياسات.

- في الختام، يمتلك الشباب الموريتاني طاقات هائلة وموارد بشرية لا تقدر بثمن. ورغم وجود تحديات تدفع نحو التبعية في بعض الأحيان، فإن هناك مؤشرات قوية على أن الشباب بدأوا يمتلكون أدوات ووعيًا أكبر للمطالبة بالفاعلية والاستقلال في العملية السياسية. إنّ مستقبل موريتانيا يعتمد بشكل كبير على قدرة المجتمع والدولة على احتضان هذه الطاقات الشابة، وتحويلها من مجرد "وقود" إلى "قوة دافعة" للتغيير والإصلاح الحقيقي.